من وقت لآخر تفتح فيسبوك، فتجد صورة لبطل رياضي جديد لمع اسمه في رياضة فردية أو جماعية، نجح في الفوز ببطولة أو التمثيل المشرف على الأقل، وفي الأغلب مستجد أغلب التعليقات تشكر أسرته قبل حتى شكر مدربه، لأننا نعلم أن إعداد البطل الرياضي ليس أمرًا بسيطًا، بل هو تغيير شامل في طريقة الحياة، فالأمر لا يقتصر فقط على التمرين ومواعيده، بل يمتد لمواعيد النوم وطريقة التغذية وأنواع الطعام ومواعيده، وهذا هو بالتحديد ما نحن بصد الحديث عنه.
القاعدة واحدة لكل الأطفال حين يتعلق الأمر بالتغذية: حصول الطفل على احتياجاته من مختلف العناصر: البروتين والنشويات والفيتامينات يعني طفلًا سليم البنية نشيطًا، وبالتبعية سعيد لأن طاقته مناسبة لسنه، والعكس صحيح، فتناول الطفل لطعام رديء أو لا يكفي احتياجاته للنمو، يؤدي لطفل ضعيف المناعة، يمرض كثيرًا مما يؤثر على جودة حياته ككل من حيث التحصيل الدراسي والنشاط، بالتالي يمكن ببساطة القول إن التغذية هي مستقبل الطفل، خصوصًا في السنوات الأولى، طوله ووزنه ومعدل الذكاء كلهم مرتبطون ارتباطًا مباشرًا بجودة ما يتناوله وحصوله على احتياجاته.
وفي حالة الطفل الرياضي بالتحديد، وهو موضع التركيز اليوم، تزداد هذه الاحتياجات، أحيانًا بفارق 500 سعر وربما يصل الفارق لـ1000 سعر يوميًا، ويحتاج عناية فائقة في مواعيد الطعام ونوعه وكميات الماء والسوائل وغيرها.
الجواب القصير المتوقع هو: الماء. فالماء هي المشروب السحري للكبار والصغار مهما كان مستوى نشاطهم، ولكن الطفل الذي يمارس الرياضة تحديدًا لا يمكن تجاهل كمية السوائل التي يحصل عليها في يومه لأنه أكثر عُرضة من غيره للجفاف بسبب السوائل والأملاح التي يفقدها أثناء التمرين، ويستمر فقدانها بعد التمرين عن طريق العرق، وليس فقط الجفاف، بل أيضًا يؤثر قلة شرب الماء بالسلب على أداء الطفل ونشاطه في العموم، ويزيد من خطر تعرضه للشد العضلي والإصابات.
لهذا يمكن توزيع كمية الماء بحيث يحصل الطفل على نحو 500 ملي ماء خلال ساعتين قبل التمرين، ونحو 100-200 ملي ماء كل ثلث ساعة تقريبًا أثناء التمرين، على عكس الاعتقاد الخطأ المنتشر بمنع الطفل من تناول الماء أثناء الرياضة، أما بعد الانتهاء من ممارسة الرياضة، فيمكن قياس وزن الطفل ومقارنته بوزنه قبل التمرين، ويتم التعويض عن كل كيلو مفقود بلتر كامل من السوائل.
يمكن باختصار وضع القاعدة الأولى لصحة طفلك الرياضي: زجاجة الماء هي رفيقته، وليس فقط في يوم التدريب، بل يجب الحرص على شرب كمية الماء الكافية في العموم وفي الأيام التي تسبق المباريات أو البطولات تحديدًا، ويفضل أن تكون درجة حرارة الماء معتدلة، فليس هناك فائدة محددة للماء الساخن أو الدافئ، ولا ينصح بتناول الماء المثلج أيضًا.
ومع شرب الماء، يتوجب الحفاظ على كمية الماء الموجودة أصلًا في الجسم، فلا يتعرض الطفل للشمس المباشرة أو الحرارة العالية والمجهود قبل التمرين مباشرة، ولا يتناول أي مدرات للبول وبالتبعية لا يتناول مشروبات الكافيين بكل أنواعها، سواء القهوة والشاي أو حتى المشروبات الغازية، لتجنب فقدان كمية كبيرة من الماء والأملاح.
بعد الحديث عن الماء، نبدأ بالوجبة الأولى والأكثر أهمية: الفطور، والنصيحة الأولى في ما يتعلق بهذه الوجبة هي الأقدم على الإطلاق: لا تدع طفلك يخرج من المنزل أبدًا من دون أن يفطر، فكل الدراسات أجمعت أن تناول الطفل للإفطار يجعله قادرًا على الالتزام بطعام صحي طوال اليوم، وأكثر نشاطًا وقدرة على المشاركة في النشاطات الجماعية، على عكس الطفل الذي لا يفطر الذي تنخفض طاقته الجسدية والعقلية، والأسوأ أنه يكون أكثر عرضة للبدانة لأنه غالبًا سيضطر للجوء للمعلبات أو مشتريات السوبر ماركت لسد الجوع المتزايد على مدار اليوم، وتزداد أهمية وجبة الإفطار للطفل الرياضي لأن استهلاكه للطاقة أكثر من أقرانه وأحيانًا يكون أكثر من بعض البالغين حتى.
يبدأ الاستعداد للإفطار من الليلة السابقة، ففوات وجبة الإفطار يرتبط عادة بالسهر لأوقات متأخرة، وبالتبعية الاستيقاظ متأخرًا وعدم وجود الوقت الكافي للأكل قبل المدرسة، لهذا -إضافة لفوائده المعروفة- يساعد النوم مبكرًا طفلك على تناول احتياجاته من الطعام. والخطوة الثانية هي أن تجتمع العائلة على الإفطار، فلا يمكن أن يتشجع طفلك على تناول الوجبة وحيدًا بينما يشاهد باقي أفراد العائلة يفوّتون الإفطار.
أما الخطوة الثالثة والأهم فهي امتلاك خطة واضحة للوجبة، فالتخطيط للطعام مثل التخطيط لأي شيء آخر، يوفر الوقت والجهد ويسهل الوصول للهدف المنشود، والتخطيط يشمل: شراء الطعام بشكل أسبوعي بالكمية المناسبة، وتجهيز ما يمكن تجهيزه مسبقًا مثل تقطيع الفاكهة أو الخضروات لتوفير الوقت صباحًا، وأهم خطوة من خطوات التجهيز المسبق لوجبة هي معرفة إجابة سؤال: ما هي أصلًا مكونات هذه الوجبة؟
الطبق المثالي للطفل هو الطبق المتنوع، وللطفل الرياضي تحديدًا يجب الحرص على وجود كل العناصر في الطبق:
1. النشويات: مثل الشوفان الذي يمكن إعداده قبلها بليلة عن طريق غليه مع اللبن وتقطيع الفاكهة عليهم ووضعهم في الثلاجة أو الخبز الأسمر أو توست الحبوب الكاملة، ولا يمكن خلو الإفطار من النشويات خصوصًا يوم التمرين لأنها مصدر الطاقة الأساسي، ويفضل ألا تقل عن 60% من الوجبة.
2. البروتين: يمكن ببساطة القول إن البروتين هو وحدة بناء العضلات، لهذا فالبيض والجبن القريش حجرا أساس المائدة في الصباح.
3. الفواكه: سواء في صورتها الطبيعية أو في صورة عصير، منزلي الصنع بالطبع، لإمداد الطفل بالطاقة الفورية.
4. الخضروات: كلما زادت ألوان الخضروات في الطبق زادت الفائدة، سواء من حيث الألياف لتحسين عملية الهضم والإحساس بالشبع أو الفيتامينات التي تختلف من نوع خضار لآخر.
5. الحليب ومشتقاته: مثل الجبن والزبادي، بكمية مناسبة من دون إسراف، فمثلًا في سن من خمس لثماني سنوات للذكور، يفضل ألا تزيد حصة الألبان اليومية على كوبين ونصف يوميًا.
لنتفق على قاعدة تنطبق على كل الوجبات ولكل الأعمار: كلما زادت عمليات المعالجة التي يتعرض لها المنتج قلت الفائدة وزاد الضرر.
وبناء على هذه القاعدة، يمكن الجزم بأن أسوأ اختيار لوجبة الإفطار هو اللحوم المصنعة بأنواعها، مثل اللانشون أو الهوت دوج والبسطرمة وغيرها، وكذلك حبوب الإفطار"الكورن فليكس"، وكل الأطعمة التي تحتوي على كميات هائلة من السكر المضاف مثل البسكويت والمخبوزات والعصائر الجاهزة وبالطبع المشروبات الغازية ورقائق البطاطس الجاهزة.
لا تقدم لطفلك إلا الطعام الذي تجهزه في المنزل من البداية قدر الإمكان، خصوصًا في حالة ممارسة الرياضة والنشاط الزائد، لتأثير المصنعات السلبي على الكتلة العضلية والنشاط والتركيز، والأسوأ هو تأثيرها السلبي على ذائقة الطفل، فكل هذا السكر الصناعي ومكسبات الطعم تجعل الطفل يزهد الطعام الحقيقي المفيد لأنه لا يقدم له نفس الطعم القوي المركز، وبالتدريج يدمن المصنعات والسكر ويصبح من الصعب تغيير هذه العادات.
اقترب موعد التمرين، فهل يتناول الطفل الطعام قبله، أم ينتظر بعده، وما الذي يجب أن يتناوله لأفضل استفادة من التدريب؟
في البداية وقبل الموعد بساعتين يحتاج الطفل كوبين من الماء، ومثلهما قبل التدريب بنصف ساعة، وينصح بتناول وجبة خفيفة سهلة الهضم وفي نفس الوقت تكون مصدرًا مناسبًا للطاقة التي يحتاجها أثناء ممارسة الرياضة، وذلك قبل التمرين بنحو ساعة.
على سبيل المثال: كوب من الزبادي والفاكهة والعسل للتحلية أو زبدة الفول السوداني من مصدر مضمون مع موزة أو موزة مع لبن وشوفان أو بليلة أو الفواكه المجففة والمكسرات، ويمكن أيضًا شرب كوب عصير قبل التمرين بمدة كافية لتجنب نقص الصوديوم أو البوتاسيوم، ولا يصل الطفل للامتلاء لتجنب الهبوط أثناء التمرين بل يأكل باعتدال فقط ما يكفي لمده بالطاقة اللازمة.
ومن الضروري تجنب الخضروات قبل التمرين، لأن الألياف تأخذ وقتًا في الهضم، وكذلك البعد التام عن مشروبات الطاقة وكل ما يتم الترويج له أنه يحسن اللياقة أو غيرها، فأفضل مصدر للطاقة هو وجبة متوازنة.
أما بعد التمرين مباشرة وفي خلال نصف ساعة على الأكثر، فمن الممكن مثلًا أخذ مشروب اللبن بالشيكولاتة الدارك، منزلي الصنع بالطبع، والمحلى بالعسل، مع البعد عن العصائر الجاهزة، ويمكن أيضًا شرب اللبن بالفواكه لتعويض المفقود أثناء التمرين أو حتى تناول ثمرة فاكهة فقط، المهم أن يكون المشروب أو الفاكهة متاحين فور إنهاء التمرين، لتجنب تناول الطفل أي مواد مصنعة أو سكر مضاف، حتى يحين موعد العودة للمنزل.
وبعد التمرين بساعتين يمكن تناول وجبة كاملة من البروتينات والنشويات مثل وجبة الغداء أو العشاء.
لا تقتصر التغذية السليمة على يوم ممارسة الرياضة فقط، بل هي رحلة طويلة ممتدة، لهذا نحرص على أن يتناول الطفل من 4 لـ5 وجبات يوميًا، وجبات صغيرة مقسمة مثلًا إلى 3 وجبات رئيسية والباقي وجبات خفيفة، وتكون الوجبات الرئيسية متنوعة بين البروتينات: كاللحوم والدجاج والبيض، والنشويات، ويُفضل أن تكون من النشويات المعقدة والحبوب الكاملة والخضروات طبعًا بحيث لا تقل عن طبقين من السلطة يوميًا، والدهون الصحية كزيت الزيتون والمكسرات، لضمان حصول الطفل على كل احتياجاته.
ولا يمكننا أبدًا أن نغفل الحديث عن الصحة النفسية، فلا ينبغي أن يكون التدريب مصدرًا للضغط أو التوتر والمنافسة العنيفة، بل العكس هو المطلوب، فلنجعل تجربة الرياضة ونمط الحياة الصحية تجربة باعثة على السرور للطفل ليحافظ عليها مدى الحياة، ونخلق روتينًا ثابتًا سواء في الإجازة أو الدراسة، تكون أركانه: النوم مبكرًا، والتعرض للشمس في فترة الصباح لضمان حصول الطفل على فيتامين د، والحفاظ على الرياضة حتى في فترة الامتحانات، وبالطبع التغذية السليمة.
الرياضة وحدها لا تكفي، بل يلعب نظام التغذية ونمط الحياة الدور الأكبر في صحة الطفل، لهذا راقب دائمًا ما يأكله طفلك بنفس الاهتمام الذي تحظى به مواعيد التدريب أو المدرسة، خصوصًا في السنوات الأولى من عمر الطفل، فما تبنيه في هذه السنوات يستمر معه العمر كله.